سورة هود - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)}
{الر كِتَابٌ} قيل {الر} مبتدأ وكتاب خبره، وقيل: كتاب رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره: هذا كتاب {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} قال ابن عباس: أُحكمت آياته: لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بُيّنت بالأحكام والحلال والحرام، قال الحسن وأبو العالية: فُصّلت: فُسِّرت {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تعبدوا} يحتمل أن يكون موضع أن رفعاً على مضمر تقديره: وفي ذلك الكتاب أن لا تعبدوا، ويحتمل أن يكون محله نصباً بنزع الخافض تقديره: ثم فُصِّلت أن لا تعبدوا {إِلاَّ الله} أو لئلاّ تعبدوا إلاّ الله.
{إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} وأن عطف على الأول {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} أي ارجعوا إلى الله بالطاعة والعبادة، وقال الفرّاء: ثُمّ هاهنا بمعنى الواو أي وتوبوا إليه لأنّ الاستغفار من التوبة، والتوبة من الاستغفار {يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً} أي يعيشكم عيشاً في منن ودعة وأمن وسعة رزق، {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو الموت {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويؤتِ كل ذي عمل مبلغ أجره وثوابه سمى فضله باسم الابتداء.
قال ابن مسعود: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر، واحدة وبقيت له تسع سنات ثم قال: هلك من غلبت آحاده عشراته.
وقال ابن عباس: من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أهل الأعراف، ثم يدخلون الجنة بعد، وقال أبو العالية: من زادت طاعته في الدنيا زادت درجاته في الجنة، لأن الدرجات تكون بالأعمال. وقال مجاهد: إن ما يحتسب الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده ورجله، أو ما يتصدّق به من حق ماله.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وهو يوم القيامة.
{إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} قال ابن عباس: يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعدواة، نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام، حلو المنظر، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره. مجاهد: يثنون صدورهم شكّاً وامتراءً، السدّي: يعرضون بقلوبهم عنك من قولهم [..............].
عن عبد الله بن شداد: نزلت في بعض المنافقين كان إذا مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره، وطأطأ رأسه، وتغشّى ثوبه كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم. قتادة: كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله ولا ذكره.
ابن زيد: هذا حين يناجي بعضهم بعضاً في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: ليستخفوا من الله إن استطاعوا، وقال ابن عباس: يثنون صدورهم على وزن يحنون، جعل الفعل للصدور أي يلقون.
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} يغطّون رؤوسهم بثيابهم، وذلك أخفى ما يكون لابن آدم إذا حنى صدره وتغشّى ثوبه وأضمر همه في نفسه.
{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور * وَمَا مِن دَآبَّةٍ} من بغلة وليس دابّة وهي كل حيوان دبّ على وجه الأرض، وقال بعض العلماء: كل ما أُكل فهو دابة.
{إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} غذاؤها وقوتها وهو المتكفّل بذلك فضلا لا وجوباً، وقال بعضهم: {على} بمعنى (من) أي من الله رزقها، ويدل عليه قول مجاهد، قال: ما جاء من رزق فمن الله، ربما لم يرزقها حتى تموت جوعاً، ولكن ما كان من رزق فمن الله.
{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} أي مأواها الذي تأوي إليه وتستقر فيه ليلا ونهاراً، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} الموضع الذي تودع فيه أما بموتها أو دفنها، قال ابن عباس: مستقرها حيث تأوي، ومستودعها حيث تموت، مجاهد: مستقرها في الرحم ومستودعها في الصلب، عبد الله: مستقرها الرحم، ومستودعها المكان الذي تموت فيه، الربيع: مستقرها أيام حياتها، ومستودعها حيث تموت، ومن حيث تبعث.
وقيل: يعلم مستقرها في الجنة أو في النار، ومستودعها القبر، ويدلّ عليه قوله تعالى في وصف أهل الجنة والنار: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 76] و{سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 66].
{كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} كل ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقها.


{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
{وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء} قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك الماء على متن الريح. وقال كعب: خلق الله ياقوتة حمراء لا نظير لها فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء، يرتعد من مخافة الله تعالى ثمّ خلق الريح فجعل الماء على قشرة ثم وضع العرش على الماء. وقال ضمرة: إنّ الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض بالحق، وخلق القلم وكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجدّه قبل أن يخلق شيئاً من الخلق.
{لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم وهو أعلم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليبلوكم أيّكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله».
قال ابن عباس: أيّكم أعمل بطاعة الله. قال مقاتل: أيّكم أتقى لله، الحسن: أيّكم أزهد في الدنيا زاهداً وأقوى لها تركاً.
{وَلَئِن قُلْتَ} يا محمد {إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} يعنون القرآن، ومن قرأ: ساحر ردّه إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} إلى أجل معدود ووقت محدود، وأصل الأُمّة الجماعة، وإنما قيل للحين: أُمّة، لأن فيه يكون الأُمّة، فكأنه قال: إلى مجيء أُمّة وانقراض أُخرى قبلها، كقوله: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45].
{لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} يقولون استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون أنه ليس بشيء. قال الله تعالى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} العذاب {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} خبر ليس عنهم. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أي رجع إليهم ونزل بهم وبال استهزائهم {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} سعة ونعمة {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا} سلبناها {مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ} قنوط في الشدّة {كَفُورٌ} في النعمة.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} بعد بلاء وشدة {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني} زالت الشدائد عني {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أشر بطر، ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم إن نالتهم شدّة وعسرة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة، وإنما جاز الاستثناء مع اختلاف الحالين لأن الإنسان اسم الجنس كقوله: {والعصر * إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين آمَنُواْ} [العصر: 1-3].
{فَلَعَلَّكَ} يا محمد {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} فلا تبلِّغه إياهم، وذلك أن مشركي مكة قالوا: آتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا.
{وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ} لأن يقولوا {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} ينفقه {أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يصدّقه، قال عبد الله بن أُمية المخزومي قال الله: يا أيها النذير {ليس عليك إلاّ البلاغ} والله على كل شيء وكيل {أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ} مثله {مُفْتَرَيَاتٍ} بزعمكم {وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} لفظه جمع والمراد به الرسول وحده كقوله: {ياأيها الرسل} [المؤمنون: 51] ويعني الرسول.
وقال مجاهد: عنى به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ الله} يعني القرآن {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} لفظه استفهام ومعناه أمر.
{مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا} أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا {وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} نوفر لهم أجور أعمالهم في الدنيا {وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} لا ينقصون. قتادة يقول: من كانت الدنيا همّه وقصده وسروره وطلبته ونيّته جازاه الله تعالى ثواب حسناته في الدنيا، ثم يمضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحسن من محسن فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة».
واختلفوا في المعنيّ بهذه الآية فقال بعضهم: هي للكفار، وأما المؤمن فإنه يريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته للدنيا، ويدل عليه قوله: {أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} في الدنيا {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} قال مجاهد: هم أهل الربا.
وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال: حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قيل: أبو هريرة.
قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس، فلما سكت وخلا، قلت: وانشدك الله لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته فقال: لأحدّثنّك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ثم غشي عليه ثم أفاق فقال: أحدثك حديثاً حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، ولم يكن أحد غيره وغيري، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال: فأرى على وجهه ثمّ استغشى طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا العباد ليقضي بينهم، وكل أُمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله للقارئ: ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: ماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، فيقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟
قال: كنت أصل الرحم وأتصدّق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قُتلت؟ فيقول: أُمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قُتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك» ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة».
قال الوليد: وأخبرني غيره أن شقياً دخل على معاوية وأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية: وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية وضرب خدّيه حتى ظننّا أنه هالك، ثم أفاق معاوية لا يمسح وجهه وقال: صدق الله ورسوله {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} وقرأ إلى قوله: {بَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.


{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} بيان وحجة {مِّن رَّبِّهِ} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} يتبعه من يشهد له ويصدقه.
واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد والضحاك وأبو صالح وأبو العالية وعكرمة: هو جبريل عليه السلام، وقال الحسن رضي الله عنه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} قال: وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: الشاهد صورة النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله، لأنّ كل من كان له عقل ونظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي، علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} علي خاصة رضي الله عنه.
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن السبيعي، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي رضي الله عنه: أما تقرأ الآية التي في هود، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة متردّد، ثم قال: {وَمِن قَبْلِهِ} يعني ومن قبل محمد والقرآن كان {كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أولئك} أي بني إسرائيل {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ} أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة {مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ}.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار».
قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُه}.
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} أي في شكّ {مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} زعم أن لله ولداً أو شريكاً أو كذب بآيات القرآن {أولئك} يعني الكاذبين، {يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{وَيَقُولُ الأشهاد} يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف ما فعلت؟ يقول: رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد».
{هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين * الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ * أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: هراباً {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} أنصار تُغني عنهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} يعني يزيد في عذابهم.
{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} الهدى، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا، وأما في الدنيا فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{أولئك} وآلهتهم {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} ولا يسمعونه {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ} أي [.....]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة {أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} بيان وحجة {مِّن رَّبِّهِ} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} يتبعه من يشهد له ويصدقه.
واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد والضحاك وأبو صالح وأبو العالية وعكرمة: هو جبريل عليه السلام، وقال الحسن رضي الله عنه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} قال: وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: الشاهد صورة النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله، لأنّ كل من كان له عقل ونظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي، علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} علي خاصة رضي الله عنه.
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن السبيعي، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي رضي الله عنه: أما تقرأ الآية التي في هود، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة متردّد، ثم قال: {وَمِن قَبْلِهِ} يعني ومن قبل محمد والقرآن كان {كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أولئك} أي بني إسرائيل {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ} أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة {مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ}.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار».
قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُه}.
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} أي في شكّ {مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} زعم أن لله ولداً أو شريكاً أو كذب بآيات القرآن {أولئك} يعني الكاذبين، {يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{وَيَقُولُ الأشهاد} يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف ما فعلت؟ يقول: رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد».
{هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين * الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ * أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: هراباً {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} أنصار تُغني عنهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} يعني يزيد في عذابهم.
{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} الهدى، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا، وأما في الدنيا فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{أولئك} وآلهتهم {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} ولا يسمعونه {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ} أي [.....]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة {أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.

1 | 2 | 3 | 4